Tuesday, December 25, 2007

بين الحداثة والتقليد

مقال تم البحث عنة بواسطة الطالبة _رضوى الدمرداش الفرقة الرابعة_انتظام

مصطلح الهرمنوطيقا
في أصوله البعيدة مصطلح مدرسي لاهوتي، كان يدل على ذلك العلم المنهجي الذي يهدف إلى تفسير نصوص الكتاب المقدس التي تتطلب فهما، والتي يشعر المتلقي لذلك باغتراب إزاء معناها. والحقيقة ان دلالة هذا المصطلح قد اتسعت بعد ذلك لتتجاوز النصوص الدينية، بل والنصوص اللغوية بإطلاق، لتصبح علما عاما في الفهم ومنهجا لتفسير ظواهر العلوم الانسانية. ومن الإنصاف كذلك القول بأن هذه الهرمنوطيقا الكلامية قد حاولت منذ البداية أن تنفذ إلى باطن الوجود والروح الإنساني، ومن ثم لم تتورط في مفهوم الشكل أو البناء اللغوي المنغلق على ذاته في عملية تفسيرها للنصوص ذاتها.
ومع ذلك، فقد ظلت الهرمنوطيقا الكلامية أسيرة المنهج، وبالتالي لم تستطع أن تتخلص من النزعة الموضوعية في تفسير النص، وهي النزعة التي ارتبطت بنموذج المنهج السائد في العلم الطبيعي الحديث: فشليرماخر ينظر إلى النص باعتباره وسيطا موضوعيا ينتقل من خلاله فكر المؤلف إلى القارئ أو المفسر، وهذا الوسيط اللغوي يكون موضوعيا لأنه يمثل الجانب المشترك الذي يجعل عملية الفهم ممكنة. وعلى نحو مشابه ينظر دلتاي إلى العلامات اللغوية باعتبارها أساسا عاما تتموضع من خلاله أو تتخارج الحياة والأحداث الباطنية، وبذلك يمكن فهم عمل أي شاعر أو مبدع عظيم أو عبقرية دينية أو فيلسوف حقيقي باعتباره تعبيرا حقيقيا عن حياته الروحية أو الباطنية، من خلال رموز وشفرات على هيئة علامات حسية قابلة للإدراك.
وهكذا يمكن القول بأن هرمنوطيقا النص المعاصرة قد رأت أن الهرمنوطيقا الكلامية أو الموضوعية لم تستطع أن تتخلص من أسلوب التفكير التقليدي ومن النزعة الموضوعية في تفسير وفهم ظواهر الوجود الإنساني كالفن واللغة، وبالتالي النص الأدبي ذاته.
وهناك خاصيتان أساسيتان تميزان الهرمنوطيقا بمفهومها الحديث في تعاملها مع النص، الخاصية الأول هي أن النص يكشف عن الوجود وينطوي على حقيقة أو معنى يتجاوز إطار بنيته الشكلية. والثانية أن تفسير النص - وبالتإلى فهمه – يقتضي تجاوز إطار الذاتية والموضوعية معا، وهذا يعني أن الطريق إلى فهم النص يفترض فهم ماهية اللغة ذاتها.
ومن خلال فهمنا لهاتين الخاصيتين في مجال اللغة - وبالتالي في مجال النص - يمكن أن نفهم كيف تتجاوز هرمنوطيقا النص المعاصرة الشكل والمنهج معا:
أولا- هرمنوطيقا النص فيما وراء الشكل.
إن كتابات هيدجر عن اللغة تقدم لنا رؤية ساخرة إزاء التصور التقليدي للغة السائد في علم اللسانيات وفلسفة تحليل اللغة، وهو التصور الذي يقوم على طرح اللغة على بساط البحث النظري المنهجي وتعرية البنية الأساسية أو العميقة لجملها، أو تأسيس نماذج لنسق من القواعد أو العلاقات التي تجعل التحدث باللغة أمرا ممكنا. فمثل هذا التصور الذي يقوم على منطقة اللغة (أي صياغتها منطقيا)، وعلى ما أسماه هيدجر في "الوجود والزمان "بعملية " تأطير اللغة أو التفكير الإحصائي التمثلي للغة هو التصور الذي يدعونا هيدجر إلى التحرر منه حينما نفكر في اللغة أو نتعامل معها. وهذه الدعوة إلى تحرير اللغة أو تخليصها من المنطق ومن قواعد وصياغات التشكيل اللغوي هي الدعوة نفسها التي تشغل اهتمام هيدجر في مقاله المعنون باسم "الطريق إلى اللغة ". فإنه لا يتحدث عن جلب اللغة إلى محل نظرنا ودراستنا أو تعرية بنياتها العميقة أو بناء لغة شارحة جديدة (أي نظام لغوي شارح للغة ) وإنما هو يتحدث عن المجال المحدد مسبقا الذي تحيا فيه اللغة التي نكون واقعين في شراكها، بدلا من أن نوقعها في شراكنا.
وفهم ماهية اللغة عند هيدجر هو الأساس الذي يقوم عليه فهم النص الأدبي والشعر على وجه الخصوص، بل وفهم الفن ذاته. فعندما يقول هيدجر: إن طبيعة الفن هي الشعر.. فإنه يعني بذلك أن كل فن من حيث ماهيته يشارك في ماهية الشعر" الذي يكون - بدوره - تأسيسا للحقيقة " فكل فن يكون شعرا بالمعنى الماهوي للشعر، أي ممارسة لماهية الشعر باعتباره أسلوبا لإسقاط ضوء الحقيقة في شكل. وإذا كان إسقاط ضوء الحقيقة في الكلمات فإننا نكون حينئذ أمام شكل من أشكال الفن وهو الشعر بمعناه الضيق الذي يعني قرض الشعر. وأولية هذا الشكل الفني لا تكمن في أن ماهية الشعر تتجلى فيه (فأشكال الفن الأخرى تشاركه في ذلك ) وإنما تكمن في أنه يحفظ لنا ماهية الشعر، ويتيح لنا أن نتعرف عليها، عبر اللغة ومن خلالها ".. فقرض الشعر يحدث في اللغة لأن اللغة تحفظ الطبيعة الأصلية للشعر. وإذا كان كل فن هو شعر بالمعنى الماهوي، وإذا كانت ماهية الشعر تتحقق أو تتجلى من خلال اللغة حيث يحدث تأسيس للحقيقة وكشف للوجود، فإن هذا يعني أن كل فن يكون في النهاية ضربا من اللغة بهذا المعنى الكشفي.
وعلى هذا الأساس لم يعد النص عند هيدجر ذا بنية موضوعية تجعله منغلقا على ذاته لا يفصح عن شيء بخلاف تراكبيه اللفظية كما هو الحال عند البنيويين. وفي الوقت نفسه لم يعد النص متجها إلى الخارج على نحو تصبح فيه الكلمات بمثابة إشارات تفقد هويتها في الدلالات الخارجية، فالكلمات ليست مجرد أدوات اصطلاحية نشير بها إلى موجودات خارجية، بل هي نفسها تسمي الأشياء والموجودات جميعا وتنطق الوجود أو يتجلى فيها العالم والوجود.

No comments: