Saturday, October 20, 2007

الجينيـــة 4




الجيــنيـــة
التعــريــف:
الجينية ديانة منشقة عن الهندوسية، ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد على يدي مؤسسها (مهاويرا) وما تزال إلى يومنا هذا، إنها مبنية على أساس الخوف من تكرار المولد، داعية إلى التحرر من كل قيود الحياة والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم كالعيب والإِثم والخير والشر، وهي تقوم على رياضات بدنية رهيبة وتأملات نفسية عميقة بغية إخماد شعلة الحياة في نفوس معتنقيها.

التأسيس وأبــرز الشخصيــات-
يعتبر (مهاويرا) المؤسس الحقيقي للجينية، وعلى يديه تبلورت معتقداتها التي ما تزال قائمة إلى يومنا هذا.
- ينحدر (مهاويرا) من أسرة من طبقة الكاشتر المختصة بشؤون السياسية والحرب.
- أبوه (سدهارتها) أمير مدينة في ولاية بيهار.
- كان مولد (مهاويرا) سنة 599 ق.م. وهو الابن الثاني لوالديه.
- عاش حياته الأولى في كنف والديه متمتعاً بالخدم والملذات العادية، وكان شديد التقدير والاحترام لوالديه، تزوج ورزق بابنة.
- لما توفي والداه، استأذن أخاه في التخلي عن ولاية العهد والتنازل عن الملك والألقاب.
- حلق رأسه ونزع حليه، وخلع ملابسه الفاخرة، وبدأ مرحلة الزهد والخلوة والتبتل، وكانت سِنُّهُ آنذاك ثلاثين عاماً.
- صام يومين ونصف يوم، ونتف شعر جسده، وهام في البلاد عارياً مهتماً بالرياضات الصعبة والتأملات العميقة.
- اسمه الأصلي (وردهاماتا) لكن أتباعه يسمونه (مهاويرا) ويزعمون أن هذا الاسم من اختيار الآلهة له ومعناه البطل العظيم، ويطلقون عليه كذلك (جينا) أي القاهر لشهواته والمتغلب على رغباته المادية.
- يدعي أتباع هذه الطائفة بأن الجينية ترجع إلى ثلاثة وعشرين جينياً، ومهاويرا هو الجيني الرابع والعشرون.
- تلقى مهاويرا علومه على يدي (بارسواناث) الذي يعتبرونه الجيني الثالث والعشرين، وقد أخذ عنه مبادىء الجينية، وخالفه بعد ذلك في بعض الأمور، وزاد على هذه الطريقة شيئاً استخلصه من تجاربه وخبرته مما جعله المؤسس الحقيقي لها.
- غرق في تأملاته ورهبانيته وعري جسده المنتوف هائماً في البلاد لمدة ثلاثة عشر شهراً مداوماً على مراقبة نفسه في صمت مطبق يعيش على الصدقات التي تقدم إليه. حصل بعدها على الدرجة الرابعة مباشرة إذ كان مزوداً بثلاثة منها أصلاً كما يقولون.
- تابع بعد ذلك رحلة عدم الإحساس حتى حصل على الدرجة الخامسة وهي درجة العلم المطلق وصل إلى مرحلة النجاة.
- بعد سنة من الصراع والتهذيب النفسي فاز بدرجة المرشد، وبدأ بذلك مرحلة الدعوة لمعتقده، فدعا أسرته ثم عشيرته، ثم أهل مدينته، ومن ثم دعا الملوك والقواد، فوافقه كثير منهم لما في دعوته من ثورة على البراهمة.
- استمر بدعوته حتى بلغ الثانية والسبعين حيث توفي سنة 527 ق.م مخلفاً وراءه خطباً وأتباعاً ومذهباً.
- انقسمت الجينية بعده إلى قسمين :
1- ديجاميرا : أي أصحاب الزي السماوي العراة، وهم طبقة الخاصة الذين يميلون إلى التقشف والزهد ومعظمهم من الكهان والرهبان والمتنسكين الذين يتخذون من حياة مهاويرا قدوة لهم.
2- سويتامبرا : أي أصحاب الزي الأبيض، وهم طبقة العامة المعتدلون الذين يتخذون من حياة مهاويرا الأولى في رعاية والديه نبراساً لهم حيث كان يتمتع حينها بالخدم والملذات، إذ يفعلون كل أمر فيه خير ويبتعدون عن كل أمر فيه شرّ أو إزهاق لأرواح كل ذي حياة، يلبسون الثياب، ويطبقون مبادىء الجينية العامة على أنفسهم.
- أقبل الملوك والحكام في الهند على اعتناق الجينية مما سجل انتصاراً على العصر الويدي الهندوسي الأول، ذلك أنها تدعو إلى عدم إيقاع الأذى بذي روح مطلقاً، كما توجب أن يطيع الشعب حاكمه وتقضي بذبح من يتمرد على الحاكم أو يعصي أوامره. فصار لهم نفوذ كبير في بلاط كثير من الملوك والحكام في العصور الوسطى.
- نالوا كثيراً من الاحترام والتقدير أيام الحكم الإسلامي للهند، وقد بلغ الأمر بالأمبراطور "أكبر" الذي حكم الهند من (1556-1605م) أن ارتد عن الإسلام واعتنق بعض معتقدات الجينية وأصهر إلى الهنادكة واحتضن معلم الجينية هيراويجيا مطلقاً عليه لقب معلم الدنيا.

الأفكار والمعتقدات:
أولاً: الكتب:
- نزل مهاويرا قبل موته في مدينة بنابوري في ولاية تَبْنا وألقى خمساً وخمسين خطبة، وأجاب عن ستة وثلاثين سؤالاً. فهذه الخطب وتلك الأسئلة أصبحت كتابهم المقدس.
- يضاف إلى ذلك الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والرهبان والنساك الجينيين.
- انتقل تراثهم مشافهة، وقد حاولوا تدوينه في القرن الرابع قبل الميلاد لكنهم فشلوا في جمع كلمة الناس حول ما كتبوه، فتأجلت كتابته إلى سنة 57م.
- في القرن الخامس الميلادي اجتمع كبار الجينيين في مدينة ويلابهي حيث قاموا بتدوين التراث الجيني باللغة السنسكريتية في حين أن لغته الأصلية كانت أردها مجدى.

ثانياً: الإِلـــه:
- الجينية في الأصل ثورة على البراهمة، لذا فإنهم لا يعترفون بآلهة الهندوس وبالذات الآلهة الثلاثة برهما - فشنو - سيفا، ومن هنا سميت حركتهم بالحركة الإِلحادية.
- لا تعترف الجينية بالروح الأكبر أو بالخالق الأعظم لهذا الكون لكنها تعترف بوجود أرواح خالدة.
- كل روح من الأرواح الخالدة مستقلة عن الأخرى ويجري عليها التناسخ.
- لم يستطيعوا أن يتحرروا تحرراً كاملاً من فكرة الألوهية، فاتخذوا من مهاويرا معبوداً لهم وقرنوا به الجينيات الثلاثة والعشرين الآخرين لتكمل في أذهانهم صورة الدين وليسدوا الفراغ الذي أحدثه عدم اعترافهم بالإِله الأوحد.
- خلق المسالمة والمجاملة دفعهم إلى الاعتراف بآلهة الهندوس عدا الآلهة الثلاثة ثم أخذوا يجلونها، لكنهم لم يصلوا بها إلى درجة تقديس البراهمة لها، ودعوا كذلك إلى احترام براهمة الهندوس باعتبارهم طائفة لها مكانتها في الدين الهندوسي.
- لا توجد لديهم صلاة، ولا تقديم قرابين، وليس للرهبان أية امتيازات مما جعل الرهبنة ذات مشقة وتضحية وتكليف ذاتي.
ثالثاً: من معتقداتهم:
1- الكارمـــا:
- الكارما لديهم كائن مادي يخالط الروح ويحيط بها ولا سبيل لتحرير الروح منها إلا بشدة التقشف والحرمان من الملذات.
- يظل الإِنسان يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه ولا تطهر نفسه حتى تتخلص من الكارما حيث تنتهي رغباته وعندها يبقى حياً خالداً في نعيم النجاة.

2- النجــاة:
- إنها تعني الفوز بالسرور الخالد الخالي من الحزن والألم والهموم، وتعني التطهر من أدران الحيوانية المادية، إنها ترمي إلى التخلص من تكرار المولد والموت والتناسخ.
- طريق الوصول إلى النجاة يكون بالتمسك بالخير والابتعاد عن الشرور والذنوب والآثام، ولا يصل إليها الإِنسان إلا بعد تجاوز عوائق ومتاعب الحياة البشرية بقتل عواطفه وشهواته.
- الشخص الناجي مكانه فوق الخلاء الكوني، إنها نجاة أبدية سرمدية.

تقديس كل ذى روح
يقدسون كل ما فية روح تقديسا عجيبا
- يمسك بعض الرهبان بمكنسة ينظف بها طريقه أو مجلسه خشية أن يطأ شيئاً فيه روح.
- يضع بعضهم غشاءً على وجهه يتنفس من خلاله خوفاً من استنشاق أي كائن حي من الهوام العالقة في الهواء.
- لا يعملون في الزراعة حذراً من قتل الديدان والحشرات الصغيرة الموجودة في التربة.
- لا يذبحون الحيوانات، ولا يأكلون لحومها وهم نباتيون.
- لا يشتركون في معركة ولا يدخلون في قتال خوفاً من إراقة الدماء وقتل الأحياء من البشر فهم مسالمون بعيدون عن كل مظاهر العنف.
4- العواطـــف:
- يجب قهر العواطف والمشاعر جميعاً، حتى لا يشعر الراهب بحب أو كره، بحزن أو سرور، بحرّ أو برد، بخوف أو حياء، بخير أو شرّ، بجوع أو عطش، فيجب أن يصل إلى درجة الخمود والجمود والذهول بحيث تقتل في نفسه جميع العواطف البشرية.

5- العـــري:
- قمة قتل العواطف هي الوصول إلى مرحلة العري الذي يعتبر أبرز مظاهر الجينية حيث يمشي الشخص في الشوارع بدون كساء يستر جسده من غير شعور بالحرج أو الحياء أو الخجل.
- الرهبان يعيشون عراة، وذلك نابع من فكرة نسيان العار أو الحياء مما يمكنه من اجتياز الحياة إلى مرحلة النجاة والخلود.
- إذا تذكر الإِنسان العاري الحياء والحسن والقبح فذلك يعني أنه ما زال متعلقاً بالدنيا مما يحجبه عن الفوز والنجاة.
- الشعور بالحياء يتضمن تصور الإِثم، وعدم الشعور بالحياء معناه عدم تصور الإِثم. فمن أراد الحياة البريئة البعيدة عن الشعور بالآلام فما عليه إلا أن يعيش عارياً متخذاً من السماء والهواء كساء له.

6- الانتحــار البطــيء:
- يترك الرهبان والمتنسكون الطعام وكل ما يغذي الجسم لعدم الإِحساس بالجوع ولقطع الروابط التي تربطهم بالحياة مما يؤدي إلى الانتحار البطيء عن طريق التجويع الذاتي.
- الوصول إلى هذه المرحلة يعني أن الشخص قد خرج عن سلطان جسده الفاني، فهو ينتف شعره، ويعرضه لظواهر الطبيعة القاسية ويجيعه حتى الموت.
- الانتحار مرتبة لا يصل إليها إلا خواص الخواص من الرهبان الجينيين، وهم يعملون ذلك رغبة في الخلود أو النجاة ولا يصلون إلى هذه المرحلة إلا بعد أن يقضوا ثلاثة عشر عاماً في مبادئ الجينية وتعاليمها القاسية الرهيبة.
- العامة من الجينيين يكتفون بأن لا يقتلوا نفساً وبأن لا يأكلوا لحماً والبعد عن إيقاع الأذى بإنسان أو حيوان، وبقهر الرغبات المادية.


رابعاً: أفكار ومعتقدات أخرى:
- تبقى الروح في رهق الموت والولادة حتى تصل إلى مرحلة النور والسعادة حيث تجد فيها لذة لا تعدلها أية لذة في الدنيا.
- طريق النور يصله الإِنسان عن تطبيق ما يلي:
1- الاعتقاد الصحيح بالقادة الجينيين الأربعة والعشرين وبالتخلص من أدران الذنوب اللاصقة بالنفس.
2- العلم الصحيح: بمعرفة الكون من ناحيته المادية والروحية.
3- الخلق الصحيح: بالتحلي بالحسنات والتخلي عن السيئات والتمسك بالعفة والزهد.
- درجات العلم الجيني خمس:
1- الإِدراك بطريق الحواس.
2- العلم عن طريق الوثائق المقدسة.
3- العلم بالوجدان المحدود وهو يدرك بالروح بعد تطهيرها من الأوساخ.
4- العلم بالوجدان المحيط وهو يدرك بالروح بتخطي الأزمنة والمسافات.
5- العلم بمخبآت الضمائر والتصورات في السرائر، ولا يصل الإِنسان إلىهذه الدرجة إلا بعد الرياضات الشاقة المضنية.
كان (مهاويرا) مزوداً بثلاث منها أصلاً، وقد حصّل الأُخريين حتى صار مرشداً وداعية لمذهبه.
المعبد شيء ضروري للمجتمع الجيني وتعميره فرض ديني عليهم.

الجذور الفــكرية والعقائـــدية:
- الجينية ثورة على الهندوسية مستنكرة آلهتها وطبقاتها، لكنها لم تستطع أن تتحرر من طابعها العام ومن سماتها البارزة فاتخذت لنفسها آلهة خاصة بها.
- الفكر الجيني يقوم أصلاً على أفكار هندوسية كالانطلاق، والكارما، والنجاة، والتناسخ وتكرار المولد، والدعوة إلى السلبية مع صبغ هذه المفاهيم بالصبغة الجينية وتطويرها لتلائم المعتقد الجيني.
- تَدَّعي الجينية بأن فلسفتها ترجع إلى الجيني الأول الذي كان حياً في التاريخ البعيد، وإلى جينياتها الذين تتابعوا واحداً إثر الآخر حتى كان الجيني الثالث والعشرون (بارسواناث)، والرابع والعشرون (مهاويرا) الذي استقرت على يديه معالم هذه الديانة التي تشكلت خلال مرحلة طويلة من الزمن.
- كان ظهورها مواكباً لظهور البوذية، وكلتاهما ثورتان داخل الفكر الهندوسي.
- يعتقد بأن النصرانية قد أخذت عن الجينية فكرة الصيام عن كل ما فيه حياة إذ إنهم يصومون عن اللحوم وعن جميع المشتقات الحيوانية لأيام معدودة ويعيشون خلال ذلك على الأطعمة النباتية.

الانتشــار ومواقــع النفوذ:
لم تخرج الجينية من الهند، فمعابدهم منتشرة في كلكتا ودلوارا، ولهم معابد في كهجورا وجيل آبو تعدُّ من عجائب الدنيا زخرفة، وفي القرن الثاني قبل الميلاد نحتوا كهفهم العظيم المسمى هاتي كنبا في منطقة إدريسه ولهم كهوف أخرى منتشرة في أنحاء الهند مما يدلل على براعتهم في نحت التماثيل ورسوخ قدمهم في فن معمار المعابد وزخرفتها وتزيينها بالنقوش العجيبة. يبلغ تعدادهم الحالي حوالي المليون نسمة يعملون في التجارة وإقراض البنوك، فمعظمهم من الأغنياء مما ساعدهم على نشر الكتب والتأثير على الثقافة الهندية.





الــــدارويـنـيـــة

التعــريف:
تنتسب الحركة الفكرية الداروينية إلى الباحث الإِنجليزي تشارلز داروين الذي نشر كتابه "أصل الأنواع" سنة 1859م والذي طرح فيه نظريته في النشوء والارتقاء مما زعزع القيم الدينية، وترك آثاراً سلبية على الفكر العالمي.

التأسيــس وأبـــرز الشخــصيات:
- تشارلز داروين: صاحب هذه المدرسة، وهو باحث إنجليزي نشر في سنة 1859م كتابه "أصل الأنواع" وقد ناقش فيه نظريته في النشوء والارتقاء معتبراً أصل الحياة خلية كانت في مستنقع آسن قبل ملايين السنين، وقد تطورت هذه الخلية ومرّت بمراحل منها، مرحلة القرد، انتهاء بالإِنسان، وهو بذلك ينسف الفكرة الدينية التي تجعل الإِنسان منتسباً إلى آدم وحواء ابتداء.
- آرثر كيت: دارويني متعصب، يعترف بأن هذه النظرية لا تزال حتى الآن بدون براهين فيضطر إلى كتابتها من جديد وهو يقول: "إن نظرية النشوء والارتقاء لا زالت بدون براهين، وستظل كذلك، والسبب الوحيد في أننا نؤمن بها هو أن البديل الوحيد الممكن لها هو الإِيمان بالخلق المباشر وهذا غير وارد على الإطلاق".
- جوليان هكسلي: دارويني ملحد، ظهر في القرن العشرين، وهو الذي يقول عن النظرية:
"هكذا يضع علم الحياة الإِنسان في مركز مماثل لما أُنعم عليه كسيد للمخلوقات كما تقول الأديان".
"من المسلَّم به أن الإِنسان في الوقت الحاضر سيد المخلوقات ولكن قد تحل محله القطة أو الفأر".
- ويزعم بأن الإِنسان قد اختلق فكرة "الله" إبان عصر عجزه وجهله، أما الآن فقد تعلم وسيطر على الطبيعة بنفسه، ولم يعد بحاجة إليه، فهو العابد والمعبود في آن واحد.
- يقول: "بعد نظرية داروين لم يعد الإِنسان يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً".
- ليكونت دي نوي: من أشهر التطوريين المحدثين، وهو في الحقيقة صاحب نظرية تطورية مستقلة.
- د. هـ. سكوت: دارويني شديد التعصب، يقول: "إن نظرية النشوء جاءت لتبقى، ولا يمكن أن نتخلى عنها حتى ولو أصبحت عملاً من أعمال الاعتقاد".
- برتراند راسل: فيلسوف ملحد، يشيد بالأثر الدارويني مركزاً على الناحية الميكانيكية في النظرية، فيقول: "إن الذي فعله جاليلاي ونيوتن من أجل الفلك فعله داروين من أجل علم الحياة".

الأفــكار والمعتقــدات:
أولاً: نظريـة دارويـن: تدور هذه النظرية حول عدة أفكار وافتراضات هي:
- يفترض داروين أن أصل الكائنات العضوية ذات الملايين من الخلايا كائن حقير ذو خلية واحدة.
- تفترض النظرية تطور الحياة في الكائنات العضوية من السهولة وعدم التعقيد إلى الدقة والتعقيد.
- تتدرج هذه الكائنات من الأحط إلى الأرقى.
- الطبيعة وهبت الأنواع القوية عوامل البقاء والنمو والتكيف مع البيئة لتصارع الكوارث وتندرج في سلم الرقي مما يؤدي إلى تحسن نوعي مستمر ينتج عنه أنواع راقية جديدة كالقرد، وأنواع أرقى تتجلى في "الإِنسان". بينما نجد أن الطبيعة قد سلبت تلك القدرة من الأنواع الضعيفة فتعثرت وسقطت وزالت. وقد استمد داروين نظريته هذه من قانون "الانتقاء الطبعي" لمالتوس.
- الفروق الفردية داخل النوع الواحد تنتج أنواعاً جديدة مع مرور الأحقاب الطويلة.
- الطبيعة تعطي وتحرم بدون خطة مرسومة، بل خط عشوائي، وخط التطور ذاته متعرج ومضطرب لا يسير على قاعدة مطردة منطقية.
- النظرية في جوهرها فرضية بيولوجية أبعد ما تكون عن النظريات الفلسفية.
- تقوم النظرية على أصلين كل منهما مستقل عن الآخر:
1- المخلوقات الحية وجدت في مراحل تاريخية متدرجة ولم توجد دفعة واحدة. وهذا الأصل من الممكن البرهنة عليه.
2- هذه المخلوقات متسلسلة وراثياً ينتج بعضها عن بعض بطريق التعاقب خلال عملية التطور البطيئة الطويلة. وهذا الأصل لم يتمكنوا من برهنته حتى الآن لوجود حلقة أو حلقات مفقودة في سلسلة التطور الذي يزعمونه.
- تفترض النظرية أن كل مرحلة من مراحل التطور أعقبت التي قبلها بطريقة حتمية، أي أن العوامل الخارجية هي التي تحدد نوعية هذه المرحلة. أما خط سيرها ذاته بمراحله جميعها فهو خط مضطرب لا يسعى إلى غاية مرسومة أو هدف بعيد لأن الطبيعة التي أوجدته غير عاقلة ولا واعية، بل إنها خبط عشواء.
ثانياً: الآثار التي تركتها النظرية:
- قبل ظهور النظرية كان الناس يدعون إلى "حرية الاعتقاد" بسبب الثورة الفرنسية، ولكنهم بعدها أعلنوا إلحادهم الذي انتشر بطريقة عجيبة وانتقل من أوروبا إلى بقاع العالم.
- لم يعد هناك أي معنى لمدلول كلمة: آدم، حواء، الجنة، الشجرة التي أكل منها آدم وحواء، الخطيئة (التي صلب المسيح ليكفّر عنها ويخلص البشرية من أغلالها حسب اعتقاد النصارى).
- سيطرت الأفكار المادية على عقول الطبقة المثقفة وأوحت كذلك بمادية الإِنسان وخضوعه لقوانين المادة.
- تخلت جموع غفيرة من الناس عن إيمانها بالله تخلياً تاماً أو شبه تام.
- عبادة الطبيعة، فقد قال داروين: "الطبيعة تخلق كل شيء ولا حدّ لقدرتها على الخلق".
وقال: "إن تفسير النشوء والارتقاء بتدخل الله هو بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت".
- لم يعد هناك جدوى من البحث في الغاية والهدف من وجود الإِنسان لأن داروين قد جعل بين الإِنسان والقرد نسباً بل زعم أن الجدّ الحقيقي للإِنسان هو خلية صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين.
- أهملت العلوم الغربية بجملتها فكرة "الغائية" بحجة أنها لا تهم الباحث العلمي ولا تقع في دائرة عمله.
- استبد شعور باليأس والقنوط والضياع وظهرت أجيال حائرة مضطربة ذات خواء روحي.
- طغت على الحياة فوضى عقائدية، وأصبح هذا العصر عصر القلق والضياع.
- كانت نظرية داروين إيذاناً وتمهيداً لميلاد نظرية فرويد في التحليل النفسي، وميلاد نظرية برجسون في الروحية الحديثة، وميلاد نظرية سارتر في الوجودية، وميلاد نظرية ماركس في المادية. وقد استفادت هذه النظريات جميعاً من الأساس الذي وضعه داروين واعتمدت عليه في منطلقاتها وتفسيراتها للإِنسان والحياة والسلوك.
- زعم داروين أن الإِنسان حيوان كسائر الحيوانات مما هزّ المشاعر والمعتقدات.
- الإِنسان في نظرهم ما هو إلاّ مرآة تنعكس عليها تقلبات الطبيعة المفاجئة وتخبطاتها غير المنهجية.
"فكرة التطور" أوحت بحيوانية الإِنسان، و "تفسير عملية التطور" أوحت بماديته.
- نظرية التطور البيولوجية انتقلت لتكون فكرة فلسفية داعية إلى التطور المطلق في كل شيء تطور لا غاية له ولا حدود، وانعكس ذلك على الدين والقيم والتقاليد. وساد الاعتقاد بأن كل عقيدة أو نظام أو خُلُق هو أفضل وأكمل من غيره ما دام تالياً له في الوجود الزمني.
- يقول برتراند راسل: "ليس ثمة كمال ثابت ولا حكمة لا تقوم بعدها وأي اعتقاد نعتقده ليس بباق مدى الدهر، ولو تخيلنا أنه يحتوي على الحق الأبدي فإن المستقبل كفيل بأن يضحك منا".
- استمد ماركس من نظرية داروين مادية الإِنسان وجعل مطلبه في الحياة ينحصر في الحصول على "الغذاء والسكن والجنس" مهملاً بذلك جميع العوامل الروحية لديه.
- استمد فرويد من نظرية داروين حيوانية الإنسان وكوّن منها مدرسته في التحليل النفسي، وقد فسّر السلوك الإِنساني معتمداً عل الدافع الجنسي الوحيد في ذلك، فالإِنسان عنده حيوان جنسي لا يملك إلاّ الانصياع لأوامر الغريزة وإلاّ وقع فريسة الكبت المدمر للأعصاب.
- استمد دور كايم من نظرية داروين حيوانية الإِنسان وماديته وجمع بينهما بنظرية العقل الجمعي.
- استفاد برتراند راسل من ذلك بتفسيره لتطور الأخلاق الذي تطور عنده من المحرم (التابو) إلى أخلاق الطاعة الإِلهية ومن ثم إلى أخلاق المجتمع العلمي.
- والتطور عند فرويد أصبح مفسراً للدين تفسيراً جنسياً: "الدين هو الشعور بالندم من قتل الأولاد لأبيهم الذي حرمهم من الاستمتاع بأمهم ثم صار عبادة للأب، ثم عبادة الطوطم، ثم عبادة القوى الخفية في صورة الدين السماوي، وكل الأدوار تنبع وترتكز إلى عقدة أوديب".

ثالثاً: دور اليهود والقوى الهدامة في نشر هذه النظرية:
- لم يكن داروين يهودياً، بل كان نصرانياً، ولكن اليهود والقوى الهدامة وجدوافي هذه النظرية ضالتهم المنشودة فعملوا على استغلالها لتحطيم القيم في حياة الناس.
- تقول بروتوكولات حكماء صهيون: "لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء ولاحظوا هنا أن نجاح داروين وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل، والأثر غير الأخلاقي لاتجاهات هذه العلوم في الفكر الأممي سيكون واضحاً لنا على التأكيد".
- نلاحظ السرعة المذهلة التي طبقت بها النظرية وذلك دليل على وجود أصابع خفية مستفيدة من نشرها علماً بأنها كانت وما تزال مجرد نظرية لا تستند إلى براهين.
- التقديس والتمجيد الخارق العجيب لداروين الذي اعتبر محرر الفكر البشري، ووصف بأنه قاهر الطبيعة.
- ميل الصحف بشكل كامل إلى صفّه ضدّ الكنيسة والتشهير بأعداء النظرية وذلك لأن معظم الصحف تعود ملكيتها لليهود وأتباعهم.

رابعاً: نقــادها:
- نقدها آغاسيز في إنجلترا، وأوين في أمريكا: "إن الأفكار الداروينية مجرد خرافة علمية وأنها سوف تنسى بسرعة". ونقدها كذلك العالم الفلكي هرشل ومعظم أساتذة الجامعات في القرن الماضي.
- كرسي موريسون: "إن القائلين بنظرية التطور لم يكونوا يعلمون شيئاً عن وحدات الوراثة "الجينات" وقد وقفوا في مكانهم حيث يبدأ التطور حقاً، أعني عند الخلية".
- أنتوني ستاندن صاحب كتاب (العلم بقرة مقدسة) يناقش الحلقة المفقودة وهي ثغرة عجز الداروينيون عن سدّها فيقول: "إنه لأقرب من الحقيقة أن نقول: إن جزءاً كبيراً من السلسلة مفقودة وليس حلقة واحدة، بل إننا لنشك في وجود السلسلة ذاتها".
- ستيوارت تشيس: "أيّد علماء الأحياء جزئياً قصة آدم وحواء كما ترويها الأديان، وإن الفكرة صحيحة في مجملها".
- أوستن كلارك: "لا توجد علامة واحدة تحمل على الاعتقاد بأن أيّاً من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيره، إن كل مرحلة لها وجودها المتميز الناتج عن عملية خلق خاصة متميزة، لقد ظهر الإِنسان على الأرض فجأة وفي نفس الشكل الذي تراه عليه الآن".
- أبطل باستور أسطورة التوالد الذاتي، وكانت أبحاثه ضربة قاسية لنظرية داروين.

خامساً: الداروينية الحديثة:
- اضطرب أصحاب الداروينية الحديثة أمام النقد العلمي الذي وُجِّهَ إلى النظرية، ولم يستطيعوا أمام ضعف نظريتهم إلا أن يخرجوا بأفكار جديدة تدعيماً لها وتدليلاً على تعصبهم الشديد حيالها، فأجروا سلسلة من التبديلات منها:
· إقرارهم بأن قانون الارتقاء الطبيعي قاصر عن تفسير عملية التطور واستبدلوه بقانون جديد أسموه قانون التحولات المفاجئة أو الطفرات، وخرجوا بفكرة المصادفة.
· أُرغموا على الاعتراف بأن هناك أصولاً عدة تفرعت عنها كل الأنواع وليس أصلاً واحداً كما كان سائداً في الاعتقاد.
· أُجبروا على الإِقرار بتفرد الإِنسان بيولوجياً رغم التشابه الظاهري بينه وبين القرد، وهي النقطة التي سقط منها داروين ومعاصروه.
كل ما جاء به أصحاب الداروينية الحديثة ما هو إلا أفكار ونظريات هزيلة أعجز من أن تستطيع تفسير النظام الحياتي والكوني الذي يسير بدقة متناهية بتدبير الحكيم "الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثم هدى".

- لقد عرفت هذه الفكرة قبل داروين، وقد لاحظ العلماء بأن الأنواع المتأخرة في الظهور أكثر رقياً من الأنواع المتقدمة ومن هؤلاء: راي باكنسون، لينو.
- قالوا: "بأن التطور خطة مرسومة فيها رحمة للعالمين" ولكن نظريتهم وصفت بأنها لاهوتية فنسيت داخل معامل الأحياء.

الجــذور الفكرية والعقائــدية:

- استوحى داروين نظريته من علم دراسة السكان، ومن نظرية مالتوس بالذات. فقد استفاد من قانونه في الانتخاب أو الانتقاء والذي يدور حول إفناء الطبيعة للضعفاء لمصلحة الأقوياء.
- استفاد من أبحاث "ليل" الجيولوجية حيث تمكن من صياغة نظرية ميكانيكية للتطور.
- صادفت هذه النظرية جواً مناسباً إذ كان ميلادها بعد زوال سلطان الكنيسة والدين، وبعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية حيث كانت النفوس مهيأة لتفسير الحياة تفسيراً مادياً بحتاً، ومستعدة لتقبل أي طرح فكري يقودها إلى مزيد من الإِلحاد والبعد عن التفسيرات اللاهوتية، مصيبة كانت أم مخطئة.

الانتشار ومواقع النفــوذ:
بدأت الداروينية سنة 1859م، وانتشرت في أوروبا، انتقلت بعدها إلى جميع بقاع العالم، وما تزال هذه النظرية تدرس في كثير من الجامعات العالمية. كما أنها قد وجدت أتباعاً لها في العالم الإِسلامي بين الذين تربّوا تربية غربية، ودرسوا في جامعات أوروبية وأمريكية.

2 comments:

Anonymous said...

هايل وجميل جدااا

Anonymous said...

هايل